من حلم عباس بن فرناس إلى الطائرة الذكية، كيف غيرت أنابيب الكربون النانومترية والذكاء الاصطناعي مستقبل الطيران.
✒️ إعداد الدكتور هاشم محمد الحبشي – عالم وباحث في علم وتقنية النانو، شيفرة النانو9630 ـ وعضو الهيئة العلمية العليا للاتحاد العربي للتنمية المستدامة والبيئة، عضو هيئة مجلس العلماء العرب.
???? من حلم الشاعر إلى عقل الآلة
قبل أكثر من أحد عشر قرنا، وقف عباس بن فرناس على جبل في الأندلس، مرتديا جناحين صنعهما بيديه من الخشب وريش الطيور، ليحاكي حلم الإنسان القديم بالتحليق. لم يكن بن فرناس مجرد شاعر أو فيلسوف، بل كان عالمًا ومهندسًا سابقًا لعصره، فهم أن الطيران ليس ضربًا من السحر، بل نتيجة لتفاعل المادة مع الحركة والهواء. وعندما ألقى بنفسه في الفضاء، كان يختبر بعقله ما نسميه اليوم "هندسة الطيران التجريبية".
اليوم، وبعد مرور أكثر من ألف عام، تحقّق حلمه على نحو يفوق الخيال. لم تعد أجنحة الطائرات تصنع من الخشب أو الألمنيوم، بل من ألياف الكربون وأنابيب الكربون النانومترية (CNTs)، ولم يعد الطيار وحده من يتحكم بالطائرة، بل تشاركه الخوارزميات والذكاء الاصطناعي في صنع القرار. فما بدأه بن فرناس بالحلم والجرأة، يُكمله اليوم العلم والذكاء الاصطناعي بدقة ووعي.
????️ الهيكل الخارجي، جسم الطائرة الذكي
الألياف الكربونية تمثل نقلة نوعية في هندسة هياكل الطائرات. فهي:
· أخف بنسبة تصل إلى 50% من الألمنيوم.
· أكثر مقاومة للإجهاد والتآكل.
· تمنح حرية تصميم هندسي ديناميكي لتقليل مقاومة الهواء.
ويسهم دمج أنابيب الكربون النانومترية في الألياف في زيادة الصلابة الميكانيكية والتوصيل الحراري والكهربائي، مما يجعل جسم الطائرة قادرًا على استشعار وتوزيع الجهد والحرارة بشكل ذاتي. إنها طائرة تمتلك "جسمًا ذكيًا" يستجيب للمؤثرات الفيزيائية في الزمن الحقيقي.
⚙️ الأجنحة والمحركات، بين المادة والذكاء
باستخدام المواد النانومترية في الأجنحة والمراوح:
· تُرفع كفاءة المحرك بنسبة تصل إلى 15%.
· تُقلل الضوضاء والاهتزاز.
· تُحسَّن مقاومة التآكل ودرجات الحرارة العالية.
ويجري حاليًا دمج أنظمة ذكاء اصطناعي في تصميم الأجنحة لتتعلم من تدفق الهواء أثناء الطيران، فتُعدّل زواياها ذاتياً لتحقيق أقصى رفع بأقل مقاومة، في ما يعرف بـ "الأجنحة المتكيفة بالذكاء الاصطناعي" (AI-Adaptive Wings).
???? الأنظمة الداخلية، مقصورة ذكية بإحساس إنساني
الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على القيادة؛ بل يشمل:
· إدارة الإضاءة والضغط والحرارة تلقائيًا لضمان راحة الركاب.
· تحليل بيانات الرحلات السابقة لتحسين توزيع الأحمال.
· مراقبة المكونات الداخلية بالألياف الذكية واكتشاف الأعطال قبل وقوعها.
وتسمح المواد المركبة النانومترية بخفة مذهلة في الأجزاء الداخلية، مما يقلل وزن الطائرة ويزيد كفاءتها في استهلاك الطاقة.
???? الإلكترونيات والمستشعرات، الجهاز العصبي الرقمي
تمثل أنابيب الكربون النانومترية قفزة في تصنيع الدوائر الإلكترونية والمستشعرات الذكية، حيث تتيح:
· تصميم أنظمة استشعار عالية الحساسية للإجهاد والحرارة.
· تطوير شبكات كهربائية ذاتية الإصلاح.
· إنشاء أنظمة ذكاء اصطناعي مدمجة تتعلم من البيانات الميكانيكية للطائرة نفسها.
فالطائرة الحديثة أصبحت أشبه بكائن حي ذكي، تمتلك جلدًا حسيًا من المواد النانومترية، وعقلًا رقميًا من الخوارزميات.
???? الذكاء الاصطناعي، العقل الصناعي الذي يتعلم من الطبيعة
الذكاء الاصطناعي أصبح جزءًا لا يتجزأ من هندسة الطيران الحديثة، ويُستخدم في:
· تصميم الهياكل عبر خوارزميات تحاكي التطور الطبيعي (Generative Design).
· تحليل بيانات الملايين من الرحلات للتنبؤ بالأعطال قبل حدوثها.
· التحكم الذاتي في الطيران باستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي التعاونية بين الطيار والنظام.
· تطوير الطائرات الكهربائية والهجينة التي تُدار بأنظمة تحكم رقمية ذكية.
هذه الخوارزميات قادرة على تحسين أداء كل رحلة بشكل لحظي، كما تتعلم من البيانات لتصبح أكثر كفاءة بمرور الوقت، تمامًا كما يتعلم الطيار من خبراته السابقة.
????️ الأمان والصيانة الذكية، من الوقاية إلى التنبؤ
من خلال الدمج بين المواد النانومترية والذكاء الاصطناعي، أصبح من الممكن:
· مراقبة حالة كل جزء من الطائرة في الزمن الحقيقي.
· اكتشاف التشققات المجهرية قبل أن تتحول إلى مشكلة.
· إجراء الصيانة التنبؤية بدلًا من الصيانة الوقائية التقليدية.
وهكذا تتحول الطائرة إلى نظام ذاتي المراقبة يعتمد على الحوسبة المدمجة والذكاء التحليلي.
???? الأثر البيئي، طائرات خضراء بقلب ذكي
تساهم هذه التقنيات في:
· خفض استهلاك الوقود بنسبة قد تصل إلى 20%.
· تقليل الانبعاثات الكربونية عالميًا.
· دعم مفهوم الطائرات الخضراء الذكية (Smart Green Aircraft) التي توفّق بين الأداء البيئي والاقتصادي.
???? اكتمال الدائرة، من الخيال إلى الواقع الذكي
من تجربة عباس بن فرناس التي جمعت بين الخيال والشجاعة، إلى الطائرات الحديثة التي تمزج بين المادة الذكية والعقل الصناعي، يمتد خيط واحد، رغبة الإنسان في تجاوز الرجع "كما يطلق علية باجادبة"، ماديًا وفكريًا. لقد أصبحت الطائرة اليوم تجسيدًا للوعي الهندسي الحديث، جسمها من ذرات الكربون، وعقلها من الخوارزميات، وروحها من حلم الإنسان الأزلي بالتحليق.
ها قد اكتملت الدائرة، من جناحي عباس بن فرناس إلى أجنحة الذكاء الاصطناعي، من حلم واحد إلى مستقبل بلا حدود.
صحيفة إضاءات الشرقية الإلكترونية




.jpg)
.jpg)




.jpg)














.jpg)

.jpg)




