دراسة تحليلية لمقال الدكتور عصام محيي الفلالي بعنوان:
«بين استراتيجية المحيط الأحمر والأزرق… هل لمحيطنا لون آخر؟»
إعداد: الباحث في مجال الاستثمار الاجتماعي وتحليل البيانات وتطوير الأعمال / حارث بن علي عسيري
تثير مقالة الدكتور عصام محيي الفلالي فكرة بالغة العمق حول مفهومٍ استراتيجي جديد، هو ما أسماه «المحيط الأخضر»،
كإطار ثالث يتجاوز كلا النموذجين الشائعين في الفكر الإداري والاقتصادي: المحيط الأحمر القائم على التنافس الشرس،
والمحيط الأزرق القائم على الابتكار وخلق أسواق جديدة. ويأتي طرح «المحيط الأخضر» كتوجّه فلسفي واستراتيجي يسعى لتحقيق الاستدامة الشاملة
في عالم تتقاطع فيه التحديات البيئية والتنموية والمعرفية.
تقوم فكرة المحيط الأخضر على الدمج بين الربحية والغاية المجتمعية، بحيث تصبح المؤسسات قادرة على تحقيق الأثر المستدام في الاقتصاد والمجتمع
دون أن تفقد تنافسيتها أو قدرتها على النمو. إنها مرحلة متقدمة من الوعي المؤسسي الذي يدرك أن النجاح الحقيقي لا يُقاس فقط بمقدار العائد المالي،
بل بمقدار القيمة التي تُضاف إلى المجتمع.
وقد ربط الدكتور الفلالي فكرته بنظام الجامعات السعودي الجديد (1441هـ)، الذي منح الجامعات مرونة غير مسبوقة في التمويل والاستثمار،
لتتحول من كيانات تعليمية تقليدية إلى مؤسسات إنتاجية تُسهم في بناء اقتصاد المعرفة.
وهذا التحول يتماشى مع رؤية المملكة 2030 التي تسعى لبناء اقتصاد أخضر ومعرفي قادر على تحقيق التنمية المستدامة.
ومن الجوانب المميزة في المقال ما قدّمه الكاتب من نقاط عملية لتطبيق استراتيجية المحيط الأخضر داخل الجامعات السعودية،
مثل: تطوير البيئة النظامية المحفزة للاستثمار، وتمكين المراكز البحثية، وإنشاء حاضنات أعمال خضراء، وتفعيل مؤشرات الأداء البيئي والاجتماعي.
وهذه النقاط لا تمثل مجرد توصيات نظرية، بل تشكل إطارًا تنفيذيًا متكاملاً يضع الجامعات على طريق الاستدامة المؤسسية والمالية.
إن مفهوم «المحيط الأخضر» كما صاغه الدكتور الفلالي يمثل مرحلة نضج جديدة في الفكر الإداري السعودي،
حيث تتلاقى فلسفة الإدارة مع قيم التنمية والاستدامة، لتصبح الجامعة أو المؤسسة مركزًا لإنتاج الحلول لا مجرد متلقٍ للسياسات.
وبهذا المعنى، فإن «المحيط الأخضر» ليس لونًا جديدًا يُضاف إلى لوحة الاستراتيجيات، بل هو فلسفة توازن بين الإنسان والاقتصاد والبيئة.
وفي الختام، يمكن القول إن هذا المقال يفتح آفاقًا واسعة أمام الباحثين والممارسين في مجال الإدارة والتنمية،
للتفكير في كيفية تحويل المؤسسات السعودية إلى كيانات مستدامة تؤمن بأن الريادة لا تُقاس بالسبق فقط، بل بالقدرة على البقاء والتأثير.
"ليس المحيط الأخضر مجرد لون مضاف... بل هو البوصلة الاستراتيجية الجديدة للمؤسسات التي تطمح لريادة المستقبل."
(اقتباس من مقال الدكتور عصام محيي الفلالي، عضو هيئة تدريس سابق بجامعة الملك عبدالعزيز، منشور عام 2025، محفوظ الحقوق الفكرية لصاحبه.)
صحيفة إضاءات الشرقية الإلكترونية