الكاتبة - مريم سليمان الجهني
تربينا ، لا بل تغذينا على مقولة بنت الرجال تصبر ، أنا وأنتِ وهي وكأنه زاد لمن تبحث عن عروس لإبنها وكأنها خُلقت لتصبر عليه لا لتكون سكناً له .
وأنا أقول بعد أن تعمقت في قلوب نساء سويات وخضت داخل سجون إناث كُبلن بقيود الأبناء حكماً وجبراً لا فضل منه .
إن عبارة ( بنت الرجال تصبر ) جائزة في حقنا حائرة بين قلوبنا ، بل أقول بنت الرجال تُدفن وهي مكبلة الأيدي ، يد كبلها الأبناء ؛ خوفاً من مصير ابناء بلا أم ، ويد كبلها الأهل والمجتمع بقيود التقاليد والأعراف ؛
نتحدث هنا عن نساء أسوياء بنات رجال قاتلن داخل سجون هن فيها أبرياء جريمتهن الوحيدة أنهن صدقن بأن باستطاعتهن التغيير وأن بإمكانهن تهذيب رجل تربى على الغرور وآمن بأن بنت الرجال تصبر مهما كان الفعل وكأنها خُلقت لتحتوي لا لتشتكي على طباع ضاق به حتى قلبه ولكنه لا يزال رجل يتقلب بين أدوار شتى في عمله منضبط دقيق رزين وبين اصحابه طليق مرح يملأ الجو ضحكاً وبين أقاربه يزن كلمته بميزان من ذهب وحين يعود إلى بيته يخلع القناع ويترك لغضبه أن يثور ثم يختبئ خلف لافتة بالية كتب عليها بنت الرجال تصبر ، وعلى ماذا تصبر ياسادة ؟ على رجال خدرهم الأدمان حتى غابت فيهم الرحمة يعتقدون أن القوة تُقاس بعدد الكلمات الجارحة وأن هيبة فقد الوعي تُصنع من صوت عالي وضربة موجعة . نساء مازلنا يرينا في صبرهن بطولة وهو في الحقيقة نزف بطيء بإسم الوفاء فيا من اختزلتم الرجولة قسوة اعلموا أن المرأة التي تصبر ليست ضعف بل أرهقها الحلم برجل لا يأتي ، رجل لا يملك من الوعي مايكفي ليكسر قيد الإدمان .
نساء هي لاتصبر حباً بل خجلاً من أن يقال عنها هربت ، ولأجل ذكرى كانت يوماً تشبه الحلم .
رجال تمتلأ ألسنتهم بالبذاءة كأنها حق مكتسب ؛ وهكذا ولدت عبارة الصبر من رحم الأوجاع حتى غدت شعارا يخفي خلفه انكساراً مُغطى بالعزة صبرن ، لا، لأن الصبر فضيلة ؛ بل لأن الكرامة التي رفعها الله فيهن طُمست تحت أقدام لم تعرف يوماً معنى الرجولة ، وعلى ماذا تصبر على رجل بالغ عاقل خُلق بدين وبميزان عدل لم يعفِ احداً لكونه رجلاً ، على ماذا يحاسب بين الرجال ؛ على فعله وكلمته ، ويُعفى في بيته من كل خطأ بإسم الرجولة ياسادة !!
نحن ضحايا عبارات لم ينزل الله بها من سلطان ، نحن ضحايا قراءة مجتزأة لا تفسير صادق لآيات الله .
الله سبحانه وتعالى كرمنا جميعاُ وخلقنا من طيب واحدٍ لم يفرق بين رجل وامرأة إلا بالتقوى وما امتاز أحد بجنسه إلًا أبليس تكبر على الطين لأنه خلق من نار .
أنا ياسيدي خلقت منك ومن ضلعك الأقرب إلى قلبك فكيف لاتشعر بي؟ كيف لاتدرك أنني جزء منك ؟ ذلك القرب لم يكن عبثاً بل ليكون دليلاً على أنك تشعر بي وأن هذا القلب خلق ليفهمني قبل أن يسمعني .
نحن نساء ردة فعلنا ماهي إلا انعكاس لماتصنعه ايديكم .
هل سمعت أن نال أحد العلماء براءة اختراع تزهر به الورود بلا ماءً ، هل توصل علماء الطبيعة يوما أن الصحراء القاحلة تنبت زهراً ، هل صار البركان من فوهته يوماً سلاماً بدل اللهيب ، من أراد يجمل حديقته أزهاراً متنوعة وروائح زكية فليغير نوع البذور التي يزرعها .
أتريد أن تشم عبق الفل والياسمين ؟ اسق الأرض بماء عذب واهتمام صادق فلا أحد زرع ورداً في صحراء ثم يتساءل لماذا ؟
نحن انعكاس لأفعالكم فكما تعاملوننا نكون . فنحن بشر لا ملائكة نخطي ونحتاج من يحتوي اخطاءنا ، نهتز ونريد من يسندنا نمرض ونرجو من يمحي أوجاعنا بحنانه .
نحن نساء تأسرنا الكلمة نحمل الجميع فوق صدورنا ونتقاسم الألم والفرح معاً كلنا بشر وكلنا معا نتكاتف عند تقلبات الحياة سوياً .
أنا ياسيدي صنع محتواك من مادة أفعالك ماتريده اصنعه بيديك ومن داس الورد صباحاً بقدمه ؛ لايحق له مساءًا أن يرجو عبيره .
عذراً أثار أقدامك مازالت تشوه ملامحي لم أعد كما كنت وإن حاولت فتح اوراقي كما كانت فهي من صنع يدي لا منك ، ومن منا لا يريد أن يضع في خزانته البنكية رصيداً يحميه من تقلبات الدهر ؟؟ ربما يُفصل من عمله بخطاً غير مقصود أو يُصاب بوعكة صحية لايقوى معها على الإنتظار في طوابير مستشفي حكومي ، أو يتعرض لخسارة تُربك قلبه ، كلنا درع للآخر يقي من المفاجآت ، إنها ليست النقود وأقول لكم ياسادة أضمن بنك في العالم هو قلب امرأة أحبت بصدق ؛ هذا اسمى بنك لا يعرف الإفلاس ولا يتأثر ببورصة العواطف العالمية كل سهم جميل اشتريته في قلبها هو رصيدك الثابت الذي لاينفذ ، تسحب من دفئك من الأيام كلما بردت أطرافك وتجد فيه مايغنيك عند فقرك ، ومايعينك عند عجزك ، تساندك عند خسائرك ، وتبقى بقربك حين يبتعد الجميع عنك .
النساء اللواتي يحملن صفة بنت الرجال هن كنز لا يقدر بثمن يستطعنا أن يعشنا بعين واحدة ويمنحنك. الأخرى ، عكازك حين يختل جسدك ، نساء جبلن على العطاء وما أجمل العطاء الذي سبقه معروف .
نحن امهات ربينا بناتنا ملكات لا ليصبحن أسيرات ، بل ليصبحن سكنك لترتاح ، نزرع فيهن الكرامة لا الذل والقوة لا الخنوع بنت الرجال لاتصبر على ذل بلا تعسف .
نحن أمهات نبني رؤوساً مرفوعة القامة عزيزات النفس شامخات المقام ، ملكات في بيوتهن كريمات في عطائهن لتهيئ رجال المستقبل .
امهات يربين بالعقل لا الخوف ، يزرعن في أبنائهن معنى الرجولة الحقيقي ؛ أن يحب بلا قسوة ، أن يحتوي بلا قيود .
شاهد القول نحن مرآة أفعالكم فمن زرع فينا حباً جنى عطفاً ، ومن يتعمد أن يدوس زهراً لايلوم إن طار عطره ، واعلموا ياسادة أن أسمى درجات الرجولة أن تخلق أنثى يسكنها الأمان ، تنام على يقين أنك وطن لايخون ، وأنها بقربك. لاتُؤذى ؛ بل تناجيك كدعاء صادق يُرفع إلى السماء باسم الله فيستجاب ؛ برحمة تضيء الكون كله (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودهً ورحمة) فما خُلقنا لنصبر على الألم ، بل لنسكن في المودة ، ولا لنتحمل القسوة بل لنتقاسم الرحمة .
فحين يدرك الرجل أن المرأة وطنه ؛ تصبح الحياة آية من السكينة . وحين تعي المرأة أن الرجل سترها ؛ تغدو البيوت جنات تُتلى فيها المحبة والسكينة كما تُتلي الأيات .
لسنا نتحدث عن زواج طبيعي تعثر ثم قاوم ليستقيم ولا عن بيت عرف الخلاف فتصالح وتجاوز بالعشرة والمودة بل نتحدث عن حياة أنطفأت فيها إنسانية رجل واستُبدلت بالوجع .
نتحدث عن نساء احتمين بالرجال فكن أضعف مما ظنوا وأقوى مما ظنوا .
وللمقال بقية.
يتبع الإسبوع القادم .
(بنات الرجال يصبرن )
صحيفة إضاءات الشرقية الإلكترونية



.jpg)
.jpg)




.jpg)














.jpg)

.jpg)



